بسم الله الرحمن الرحيم ذكريات وخواطر د. محمد علي البار
 أنا محمد علي حامد البار. ولدت في مدينة عدن 1939 في 29 ديسمبر، في بداية الحرب العالمية الثانية بين بريطانيا والحلفاء من جهة وكانت فرنسا كحليف، وألمانيا مع اليابان وايطاليا كدول المحور كأعداء وعدن كانت مستعمرة بريطانية معرضة لأن تهجم عليها ايطاليا، ولكن في بداية الحرب كانوا مشغولين بأوروبا ذاتها ولم تستطع بريطانيافي ذلك الوقت ان توفر وسائل للدفاع عن عدن، ولكنها قامت بتدريب مجموعة من رجال المحميات على القتال الحديث واسمتها الليوي ودربوهم على استخدام مضادات للطائرات، وبالفعل هجمت الطائرات الايطالية بعدد قليل، واستطاعوا ان يسقطوا طائرتين من طائرات ايطاليا، ثم بعد ذلك استطاعت بريطانيا ان تأتي بطائرة حربية واحدة فقط، وطلبت من أهل عدن أن يتبرعوا بشراء طائرة أخرى، وبالفعل تبرع بعض الاغنياء الموجودين في عدن، ومنهم شركة البس الفرنسية تبرعوا بقيمة نصف طائرة حربية استخدمتها بعد ذلك بريطانيا في الدفاع والهجوم على مراكز ايطالية في الصومال وغيرها احتلت بريطانيا عدن عام 1839 قبل مئة سنة من ولادتي احتلها الكابتن هينز. كان ضابطا بحريا لدى شركة الهند الشرقية التي كانت تحكم الهند. ودخلت بريطانيا الهند عام 1602 بأمر مرسوم ملكي من الملكة اليزابث الاولى، وبدأت احتلال المناطق بالتدريج، واستطاعت هذه الشركة بذكاء أن تتحكم في نصف تجارة العالم .. من توابل وغيرها، الشاي وغيره، وكانوا يرسلونها من الهند الى بريطانيا ومنها الى بقية ارجاء العالم. دخلت بريطانيا بالتدريج الى الهند التي كانت تحت حكم المسلمين، المعروفة باسم الدولة التيمورية أو الدولة المغولية والدولة التيمورية هي نسبة الى تيمورلينك الذي جاء من تركستان .. بعدها دخل أولاده الى افغانستان ومن بعدها الى الهند واستولوا عليها، وكانت معظم الهند تحت حكمهم. وكان المسلمون لهم دور كبير في الثقافة والحضارة ومع هذا كانوا متسامحين مع الهندوس جدا. وكان منهم الوزراء، وفي الغالب علاقاتهم جيدة. لكن البريطانيين بدأو بالدخول كتجار وأقاموا معاهدات مع الامراء في المناطق المختلفة تحت امر السلطان نفسه وبالتالي نرى هذه الشركة الذكية جدا بدأت في المتاجرة وتوسعة المتاجرة وأهم تجارتها الأفيون، والافيون كان موجودا اصلا في الهند، ولكن عملوا على توسعت زراعته ونشره .. وفي نفس الوقت كانت فرنسا تحتل ما يسمى تايلند وكمبوديا وفيتنام وغيرها، وزرعوا الافيون هناك وصدروه مع بريطانيا الى الصين، ووقعت ثلاث حروب لنشر تجارة الافيون و اخذوا من هذه التجارة مليارات وأكبر تجار الافيون في العالم بريطانيا ثم فرنسا وبعدها الولايات المتحدة، فهذه الدول لم تحارب الافيون الا بعد ان وصل الى اوروبا والولايات المتحدة ذاتها وعندئذ شعروا بالخطر فأوقفوا تجارة الافيون التي قاموا بها واستطاعوا بالخداع في الهند ان يستولوا على مناطق كثيرة، فأخذوا يضربوا أمير بأمير، ويضربوا وزير بالملك بأن يعطوه الوعود بأن يكون السلطان وأن يساعدوه لكي يحارب السلطان، ويمدونه بالاسلحة النارية والمدافع، واستطاعت هذه الشركة ان تؤسس جيشا كاملا من الهنود بلغ عدده 250 ألف جندي ( أكثر من الدولة البريطانية نفسها)؟ واستولى الكابتن هينز على عدن في أول سنة تولت فيها الملكة فكتوريا الحكم (1839)، لحساب شركة الهند الشرقية. بعد ذلك أخذت حكومة بريطانيا تتدخل في شركة الهند وتنظم اعمالها وترتب امورها، لانها اصبحت دولة داخل الدولة وحكومة داخل الحكومة، ومعها اموال أكثر من الحكومة نفسها، وبالتالي فرضت عليها الحكومة والبرلمان اشياء كثيرة منذ بداية الامر دخلت ملكة بريطانيا كشريك مع الشركة هذه، وبعدها سمحوا للشعب ان يشترك فيها بأسهم، وبالتالي الجميع مستفيد ولهذا قاموا بدعم هذه الشركة الضخمة وفي نفس الوقت قامت شركة الهند الهولندية الشرقية، وحاولت ان تحتل مناطق في الهند ولكنها لم تستطع بسبب ان بريطانيا قد سبقتها، فحاولت أن تحتل مناطق اخرى وخاصة في اندونيسيا، ودخلت في حروب كثيرة مع المسلمين هناك، واستطاعت ان تحتل بنفس الاسلوب الانكليزي بالخداع والكذب من ناحية، وشراء الذمم وضرب امير صغير بأمير أكبر، ودعم الصغير هذا بأسلحة جديدة من مدافع وغيرها حتى يستولوا على اندونيسيا، وقد وجدوا مقاومة شديدة من المسلمين. وكان معظم المقاومين حضارم وسلاطين في اندونيسيا وهذه من الاشياء العجيبة، وكانت هولندا تهاجم العرب بشكل عنيف دائما، ومنعتهم من الذهاب الى مكةوارسلو شخصا مستشرقا يسمى سنوك الى مكة ليرى ما هو السبب بانهم يكونوا مع الحكومة الهولندية ويذهبون للحج ويأتون ضدها. وكانت مكة بالنسبة لهم تجلب المشاكل باستمرار لم تهتم بريطانيا بعدن اهتماما كبيرا، غير انها مهمة في الطريق الى الهند، وهي موقع استراتيجي هام جدا وزادت اهميتها بعد فتح قناة السويس .. قبلها كانت سفنهم تضطر الى الابحار حول رأس الرجاء الصالح في جنوب افريقيا حتى تصل الى الهند، لكن مجرد ان فتحت قناة السويس صار الخط متصلا بين بريطانيا وعدن مباشرة، وصارت عدن ميناءاً مهما بالنسبة لها، كميناء تجاري وميناء للتزود بالوقود (كان الوقود ايامها الفحم حيث لم يكن البترول موجودا) !؟ وبما ان عدن كانت تابعة للهند والهند تابعة للشركة ، فكانت الفرقة التي هجمت على عدن فرقة كلها من الهنود فيها القليل من الضباط الانكليز. وسمحوا للهنود أن يسكنوا في عدن، فكثر الهنود في عدن بشكل كبير، ومنعت بريطانيا، خاصة أول الامر، في (الاربعين او الخمسين سنة الاولى) العرب من دخول عدن حتى لو كانوا من أبين أو لحج أو ما حول عدن من المناطق، فكانوا يأتون بالقوافل وفيها الاكل والميرة ويأخذوا بعض البضائع من عدن في النهار، وفي الليل يغلقون الابواب ويجب عليهم ان يخرجوا منها اخر النهار. وكان هذا النظام غريبا فرضته بريطانيا حتى لا تدخل القبائل الى عدن في تلك الايام كانت عدن قد وصلت الى درجة من الانحطاط، رغم ان عدن لها تاريخ طويل وهي مدينة قديمة جدا، ومذكورة بالعهد القديم في سفرحزقيال وغيره، وهي مدينة تاريخية ولها تجارة كبيرة ضخمة، كانت تاتي البضائع من الهند والصين ومن جزيرة العرب ومن شرق افريقيا وتذهب الى مصر والى سوريا الى الشمال ومنها مباشرة الى اوروبا، مدينة فيها تجارة كبيرة جدا وكان سكانها مختلطين دائما، أي ليسوا فقط يمنين بل فيها سكان هنود وصينيون وافارقة وكل الاجناس فيها، ولذلك صار فيها التسامح باستمرار وهي مدينة متسامحة بالاصل، وسكانها متعايشون، ولانهم تجار في الغالب، ويأتوا من الداخل من حضرموت وغيرها من المناطق مثل تعز .. لكن عندما دخلت بريطانيا منعت هؤلاء كلهم تقريبا، وكان فيها عدد من اليهود حوالي ألفين في ذلك الوقت، واشتغلوا جواسيس لبريطانيا. وكانت عدن تابعة في الاصل لحكومة لحج، حكومة العبادلة وكانت هذه الحكومة تعد الخطط لاعادة الاستيلاء على عدن من بريطانيا وحاولت ثلاث مرات وفشلت، لان الكابتن هنس الذي تولى حكم عدن كان ذكيا جدا وكان يعرف اللغة العربية ويفتن بين القبائل، وكان لديه مخابرات مستمرة، وأغلبهم من اليهود الذين كانوا مستلمين المالية، فكانوا يعطوا المخابرات البريطانية الاسرار وماذا جرى في قصر السلطان وما هي نواياهم، فكان يستعد ويضربهم، وهي ثلاث محاولات قامت لتحرير عدن من الانكليز وكلها فشلت وبعدها خضعوا لها ، لكن الاستبداد البريطاني منع اصحاب البلد من الدخول لعدن والجلوس فيها والاقامة فيها باستمرار، وكانت الاقامة أغلبها هندية، واستمر هذا الحال فترة طويلة الى بداية القرن العشرين. وكان بعض العرب الذين زاروها، استغربوا جدا وكتبوا في مذكراتهم أن هذه مدينة هندية وليست مدينة عربية، اللغة الهندية هي الاساس وكانوا يتعاملون باللغة الهندية أو الانكليزية، وهم مسيطرون على كل أمورها، ولكن في بداية الحرب العالمية الثانية بدأت الهند تطالب بريطانيا بالاستقلال، في حركة غاندي، وبدأت حركة الاستقلال في الهند تطالب بعدن أيضا باعتبارها جزء من الهند رغم بعدها عن الهند وتنبهت بريطانيا لمطالبة الهنود بعدن، ومباشرة حوّلت عدن الى وزارة المستعمرات في بريطانيا. وبدأت تحد من هجرة الهنود الى عدن، وسمحت لابناء المنطقة القريبين، من الشمال ومن حولها وحضرموت بالاقامة في عدن وكان تجار كثيرون يأتون اليها، وبدأت الحركة التجارية تزدهر، وازداد الازدهار في 1954 لعدة اسباب السبب الأول : أن القاعدة البريطانية الكبيرة في مصر في قناة السويس، قد تم اتفاق جمال عبد الناصر مع بريطانيا، على أن تخرج بريطانيا من قناة السويس، بتشجيع من امريكا، ولكن من حق بريطانيا ان تعود اذا وجدت حرب بدون اذن من مصر وخرج عدد كبير من الجنود البريطانيين مع عائلاتهم (حوالي ستين ألف) من قناة السويس الى عدن. فبنيت عدن بشكل كبير جدا .. بنيت في خور مكسر (التي كان فيها مطار جوي) المدينة البيضاء .. وفي المعلا (التي كانت ميناء للسفن الشراعية) ردموا البحر، وعملوا شارعا طويلا من أجمل الشوارع وكله بناء متشابه (ثلاثة كيلو متر متصلة) بنفس الشكل، وهو شارع كبير جدا واسع من الجهتين بناءه متشابه وكلها سكن للجنود البريطانيين وعائلاتهم ... وسكن الضباط والمسؤولون السياسيون في منطقة اسمها التواهي حيث انتقلت الحكومة اليها وصارت مقر الحاكم العام البريطاني في التوّاهي في فترة الحرب العالمية الثانية هاجرت بعض العائلات (ومنها عائلتي) من النساء والاطفال الى المناطق القريبة من عدن مثل لحج والوهط، التي تبعد عن عدن بحوالي أربعين كيلو متر، وجلسنا هناك حتى هدأت الامور. وكان الوالد يحكي لنا فيما بعد كيف كانوا يشاهدون الطائرات وهي تغيير على عدن، وكيف كانوا يضربونها بمضادات الطائرات وكيف كانت تهرب، ونادرا ما تسقط طائرة ، ففي الحرب كلها سقطت طائرتان ايطاليتان فقط هذه المرحلة الاولى، من 1939 الى 1948 والدي كان موجودا وجدي ايضا كان موجودا السيد حامد علوي البار كان تاجرا وكان لديه منزلٌ كبيرٌ في عدن وقد بنى هذا البيت من قبل، وامي من بيت الصافي وكان لديهم تجارة جيدة .. جدي لأمي السيد عبد الله (عبيد)ابن أحمد الصافي، وكان عندهم ايضا منزل كبير في منطقة اسمها الزعفران، هذه المنطقة كانت مشهورة بتجارة الزعفران قديما، ولها تاريخ طويل وكان بيت والدي هو بيت جدي وبعض اعمامي وكان البيت كبيرا وكان الدور الارضي لاستقبال الضيوف كان جدي شخصية معروفة وتتمثل فيه ثلاث شخصيات، الشخصية الاولى : انه كان تاجرا من تجار الحضارمة السادة، وكانت له تجارة في اندونيسيا وسنغفورةوبعدها حوّل تجارته الى الحبشة، وبصفته هذه كان يجمع بعض الاموال، والشخصية الثانية :كان ينفق على مشاريع المساجد والمدارس وكان قد اسس مدرسة في مدينته الخريبة في دوعن في حضر موت ، كان ينفق على هذه الاشياء وينفق على دور العلم المسماة بالاربطة مثل رباط الحبيب علي الحبشي، وكان شيخه الحبيب علي الحبشي قد اخذه ورباه منذ كان عمره 12 سنة جلس عنده ثلاث سنوات تقريباومن سن 12 سنة بدأ في صلاة قيام الليل ولم يتركها حتى مات. وهذه هي شخصيته الثالثة في كثرة العبادة والاتصال بكبار العلماء وحضور مجالسهم حتى كان يعد منهم رغم انه قليل الكلام، واخذ الفقه والدراسات الدينية والتصوف (الزهد الحقيقي)، وكانت من اهم الكتب عندهم كتب الامام الغزالي والامام عبد الله الحداد .. وكان جدي مشهورا في هذه المناطق وكان يذهب الى مسجد العيدروس لان العيدروس من أولياء عدن الكبار المشهورين، ومسجده معروف، وكان يذهب اليه اخر الليل وكان الناس يتحدثون عن صوت العصا التي يحملها جدي وهو في طريقه، فكانوا يسمعون قرع العصا وهو يمشي على التلة باتجاه المسجد كل ليلة من الساعة الثانية بعد منتصف الليل، الى ان يصلي الفجر و شروق الشمس، ثم يعود للمنزل وبعدها يرتاح قليلا، ويتناول الفطور ومن ثم يبدأ عمله التجاري وكانت هناك مشكلة بين التجار العرب وحاكم الحبشة الملك هيلا سلاسي، الذي فرض عليهم الضرائب الشديدة فلما ذهبوا واشتكوا عنده لم يسمع لهم، ثم عاودوا الذهاب الى الملك هيلا سلاسي وكان جدي يترأس الوفد ولما رآه الملك قال : اذا كان أحد منكم تقولون انكم سادة وتنتسبون الى بيت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فهذا هو السيد حامد البار شكله واضح انه ينتسب الى رسولكم .. فكان شيئا عجيبا جدا أن يقوم ملك نصراني ليس له معرفة بهذه المواضيع، بمعرفة ان السيد حامد البار ينتسب الى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومباشرة وافق على المقترحات التي قدمها، وخفّض لهم الضرائب التي كانت عليهم وخرج الوفد التجاري مسرورين وكان له دور في الحبشة وأسمرا في عدة مشاريع خيرية ودعوية وغيرها، كذلك كان له نفس الدور في اندونيسيا. ولكن جدي لم يستمر في عدن، وقرر ان يبيع بيته ولا ادري ما السبب لاني كنت صغيرا انذاك، فباع البيت وبقى أولاده بعضهم في الحبشة وبعضهم في اماكن اخرى ووالدي كان في عدن فأخذ قرضا من والدته حتى يبدأ في التجارة لوحده، وبدأ في تجارة اللبان، كان يأخذ اللبان أساسه من الصومال وكانوا ينظفونه ويرسلونه الى مصر، وكان له سوق طيبة في مصر، وبعد ذلك كان الوالد يذهب الى مصر في سنة 1954 قفزت عدن قفزة كبيرة جدا للاسباب التالية الاولى : ان اتفاقية قناة السويس التي ذكرناها، وانتقال الجيش البريطاني الى عدن والثانية : أن الملكة اليزابيث جاءت الى عدن، (وهي الملكة الوحيدة الان في العالم التي حكمت من 1952 وهي مستمرة في الحكم الى الآن2018) وهي أكثر واحدة حكمت في التاريخ، طبعا الحكم في بريطانيا حكم دستوري، والملكة لا تحكم مباشرة، يحكم البرلمان والوزارة، جاءت الى عدن وقامت بثلاث خطوات أولا : فتحت مستشفى الملكة اليزابيث، الذي يتسع لخمسمئة سرير، وفي ذلك الوقت كان أكبر مستشفى في الجزيرة العربية ثانيا : عندما استولى مصدّق على الحكم في ايران وطردَ الشاه، أمم صناعة البترول ... وكانت ايران مليئة بالبترول، وفيها أكبر مصافي بترول في الشرق الاوسط في عبدان، فأممها .. ولم تسكت بريطانيا عن هذا وعملت مع الولايات المتحدة على احداث انقلاب الجيش الذي أعاد الشاه مرة أخرى وقضى على مصدق وحكومته، لكن في الفترة هذه اضطروا ان يبنوا مصافي في عدن لكي لا تكون تحت رحمة ايرانوعملوا مصافي بترول في عدن الصغرى في (البُريقة) وكانت هي أكبر مصافي البترول في الشرق الاوسط في ذلك الوقت ثالثا : صارت عدن اكبر قاعدة عسكرية بريطانية خارج المملكة المتحدة هذه الحوادث جعلت عدن تقفز من ميناء محدود الى ثالث اهم ميناء في العالم بعد نيويورك ولندن من ناحية عدد السفن، وكان ياتي اليها السياح لان التجارة فيها كانت مفتوحة وحرة، فكانت عدن مزدهرة جدا، من عام 1954 وقد قامت الملكة اليزابيث اثناء زيارتها الى عدن في 27 أبريل 1954م باعطاء وسام وجائزة لاحد الصيادين في عدن الذي قام بانقاذ فتاة بريطانية تسبح في ساحل جولدمور(الساحل الذهبي) في التواهي من اسنان القرش المتوحش فقاتله بالسكين حتى قتله وانقذ الفتاة، كما قامت ملكة بريطانيا باعطاء السيد ابو بكر بن شيخ الكاف رتبة فارس الامبراطورية (لقب سير) ورفض السيد الكاف أن يجثو على ركبتيه على الارض، عندما تأخذ الملكة السيف وتمرره فوق كتفه، حسب العادة البريطانية باعتباره ينتسب الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يجوز له ان يجثو بين يدي الملكة بسبب هذا النسب الشريف، وسُمح له بأن يضع ركبته على كرسي والاخرى واقفة عندما تقوم الملكة بتمرير السيف فوق كتفه .. وهذه أول مرة في التاريخ يتم فيها هذا الاجرء في تنصيب فارس امبراطورية وقد تم اعطائه هذ اللقب بسبب قيامه بتهدئة القبائل وقيامه بالعديد من المشاريع الخيرية في حضرموت حيث مهد طريقا من مدينة الشحر الساحلية الى مدينة سيئون في الداخل، وعبّد اكثر من مئتي كيلومتر حتى تصل البضائع، كما قام بافتتاح مدارس ومستشفى على نفقته الخاصة. وكان السيد ابو بكر بن شيخ الكاف صديقا لجدي السيد حامد بن علوي البار وحضرت الملكة مباراة استعراضية في التنس في نادي جيم خانة في كريتر عدن، بين مستر تيفاري (أحد ابطال التنس في عدن) وعبد الحميد مكاوي بطل التنس في عدن، ومباراة زوجية كان فيها ااحمد الصافي مع استاذ الجغرافية في كلية عدن مستر فوكس ضد والدي علي حامد البار مع عبد الحميد مكاوي (بطل التنس في عدن)، وحضرها جمّع غفير من المسؤولين ووجهاء عدن وفي عام 1956 جاءت حرب السويس، بعد تأميم جمال عبد الناصرقناة السويس في مصر، وهجمت بريطانيا هي وفرنسا واسرائيل على مصر ووقف العالم ضد بريطانيا وفرنسا، مع انهم نجحوا من الناحية العسكرية واحتلوا قناة السويس وماحولها مباشرة. ولكن امريكا نفسها وقفت ضدهم. وقام أيزنهاور رئيس الولايات المتحدة وزعيم العالم الحر مع روسيا وهي اقوى ثاني دولة في العالم باصدار انذار لفرنسا وبريطانيا واسرائيل أن يوقفوا القتال وينسحبوا فورا من قناة السويس، فاضطروا للانسحاب وكانت هزيمة كبرى لبريطانيا وفرنسا وكان رئيس وزراء بريطانيا مستر ايدن قد اصيب بحالة نفسية واضطر ان يستقيل من الوزارة، ويدخل مصحة نفسية، ولكن انتهى دوره السياسي تماما من بعدها قامت بريطانيا بالاهتمام بعدن بعد حرب السويس كميناء وكقاعدة عسكرية هامة جدا، وفتحت الباب لعشرات الألاف من الجنوبيين والشماليين، وخاصة من العمال الذين جاءوا من تعز وما حولها حوالي 12 ألف أو أكثر، ومن المناطق الاخرى المحلية 12 ألف عامل أيضا. وجاء التجار من كل مكان، تجار حضارم كانوا موجودين في أفريقيا وكينيا وماليزيا واندونيسيا وغيرها، عادوا الى عدن باعتبارها منطقة مزدهرة ، فعدن كان فيها عدد كبير من السكان وسياسة بريطانيا الجديدة كانت جيدة في هذا الباب كونها منعت الهنود من دخول عدن مرة أخرى، وقل عددهم نسبيا، وزاد العرب بأعداد كبيرة جدا، وصارت عدن ميناء اليمن كما كانت في التاريخ القديم عدن مدينة ذات تاريخ طويل بالتجارة وتاريخ متصل بأمم مختلفة، كان فيها من الصومال بافريقيا ومن الهند كان يوجد عدد لا بأس به وحتى من الصين كانت زيارات تأتيها ومن مصر. كما كان فيها عدد كبير من الحجاز أيضا وكانت علاقتها بالحجاز وطيدة، وكذلك مع سوريا والعراق وفيها بعض الاسر من ايران، ومما يسمى دول الخليج (الان) .. وحتى من اوربا كان فيها بعض العائلات وخاصة من اليونان وفرنسا بالاضافة الى البريطانيين وكانت في عدن قبل الخمسينات مدارس ابتدائية حكومية وأهلية، لكن بعد الخمسينات كثرت المدارس المتوسطة والمدارس الثانوية، وفيها بدأت كلية عدن وكانت متميزة، وقد قام تاجر فرنسي اسمه البس بالتبرع بانشاء معهد فنيٍ راقٍ، والذي صار بعد الاستقلال كلية الهندسة التابعة لجامعة عدن ... وتبرع لجامعة أوكسفورد بمليون جنيه استرليني، وهو مبلغ كبير جدا في ذلك الزمان ليبدي لحكومة بريطانيا امتنانه
اليهود في عدن 1947 يهود عدن لهم فترة طويلة من الزمن، فهم جزء من يهود اليمن، الذي بدأ من عهد بلقيس وسليمان عليه السلام، يعني قبل حوالي ألف سنة قبل الميلاد. قالت بلقيس ملكة سبأ كما يرويها عنها القرآن الكريم { وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل : 44] ، ثم اختفت اليهودية في اليمن وعادت مرة أخرى في عهد تُبّع الاكبر في القرن الرابع – الخامس الميلادي واستمرت بعد ذلك الى اليوم، تزداد نسبيا وتقل أحيانا وكانت أكثر ايامها في عهد ذو نواس (ملك يمني حميري يهودي) الذي اضطهد المسيحيين عندما ظهرت المسيحية في نجران فاضطهدهم وعذبهم، وعمل الاخاديد واشعلها بالنيران ورماهم فيها. وهي لاتزال موجودة كمعلم تاريخي في نجران(جنوب المملكة العربية السعودية) الى اليوم، وذكر بعض المفسرين في قوله قوله تعالى : { قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ(6) وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [سورة البروج : 4-10]ان هذه الايات نزلت في نصارى نجران وقصة تعذيبهم بينما ذكر اخرون انها نزلت في قوم اخرين واستدلوا باحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الباب وأدى استبداد الملك اليهودي ذو نواس الى ذلك الهجوم من الحبشة على اليمن بتشجيع من الدولة الرومانية البيزنطية، واستطاعت الحبشة ان تهزم ذو نواس وأن تحتل اليمن، وقام بعد ذلك ابرهة الاشرم الحبشي بمحاولة الهجوم على مكة المكرمة. وقصة ابرهة قد وصفها الله تعالى في سورة الفيل : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ } ،وقد قتل ابرهة نتيجة هذه الطير الأبابيل هو ومعظم جيشه ، ثم عاد ابن ابرهة الى اليمن ليحكمها وقد ولد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في عام الفيل بعد خمسة اشهر من حادثة الفيل، وأُعتبرت هزيمة ابرهة إرهاصا بقدوم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وحفظ الله تعالى البيت الحرام ومكة المكرمة من غزو الاحباش ببركة ميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقام سيف بن ذي يزن بالاتصال بالفرس الذين أمدوه بجيش صغير، والذي استطاع ان يدخل عدن ويحررها من حكم الحبشة، ثم انتقل الى المناطق الاخرى حتى وصل الى صنعاء وحررها منهم وانهى حكم الحبشة على اليمن انهاء تاما، وقد قامت القبائل العربية بتهنئة القائد سيف بن ذي يزن بانتصاره على الاحباش ومنها وفد قريش الذي كان يرأسه عبد المطلب ابن هاشم جد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم . هذا تاريخ موجز وبالتالي ابيح لليهود ان يبقوا كما كانوا سابقا وفي عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم أسلمت اليمن بكاملها ما عدا مجموعة من اليهود والنصارى الذين دفعوا الجزية وبقوا على دينهم. وظهر في عهد الصحابة ثلاثة من يهود اليمن الذين اظهروا الاسلام وكان لهم دور في التاريخ الاسلامي وهم أ- كعب الأحبار : وهو كعب بن ماتع الحميري أبو إسحاق من يهود اليمن اشتهر في عهد الصحابة بمروياته الاسرائيلية من التوراة وغيرها وفيها كثير من الاباطيل ، وأظهر الاسلام وقال لعمر بن الخطاب ذات يوم لقد عرفتك من التوراة التي ذكرتك . فاستغرب عمر رضي الله عنه وقال : ذكرتني بالاسم ؟ فقال لا ولكن ذكرت صفاتك ... ولما كان في بيت المقدس مع عمر رضي الله عنه سأله عمر بن الخطاب اين ترى أصلّي ؟ فأشار الى موقع مواجه لاثر يهودي، فقال عمر : ظاهيت اليهودية يا ابن السوداء ، ثم تقدم عمر ثم جعل هذا المكان خلفه واتجه ال القبلة مباشرة . وقيل أنه قال لعمر قبل ان يقتل : أوص يا أمير المؤمنين فإنك ميت بعد ثلاث، وكررها في اليوم الثاني والثالث وبالفعل قتله ابو لؤلؤة المجوسي بعد اليوم الثالث، فإن صّح هذا الخبر فكعب أحد المتآمرين في قتل عمر وكثير من اخباره الاسرائيلية دخلت في التفاسير وفي بعض الاحاديث المنسوبة الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن جهابدة العلماء أبانوا زيفها وانها من خزعبلات اليهود الموجودة في كتبهم ب - وهب بن منّبه: هو وهب بن منبه الصنعاني. الذماري في اليمن. ولد في سنة 34 للهجرة. كان وهب من أصول يهودية يمنية و يُقال أسلم أبوه على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحسُن إسلامه وقد ولد وهب في زمن عثمان سنة أربع وثلاثين هجرية، ورحل وحج وتوفى وهب سنة 110 هـ ، واخذ عن مجموعة من الصحابة منهم ابو هريرة وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وغيرهم ، وهو تابعيٌ ثقة ، واخذ عنه كثير من تابعي التابعين ج - عبد الله بن سبأ (ابن السوداء) الصنعاني اليمني الذي أظهر الاسلام . وكان له دور في الفتنة في ايام عثمان رضي الله عنه وذهب الى مصر واثار كثير من الجند ضد عبد الله ابن ابي السرح (وهو اخو عثمان من الرضاعة ووالي مصر) بسبب اعطاء عثمان له ألف درهم مكافأة له على فتوحاته، لانه فتح ليبيا والنوبة. وكان لعثمان رضي الله عنه اجتهادات في اعطاء الولاه من بني أمية المبالغ الكبيرة والسلطة الواسعة كما كان بعضهم من الفساق مثل الوليد بن عقبة بن ابي معيط الذي ولاه عثمان الحكم في البصرة فصلى بالناس الفجر وهو سكران، وهوالذي نزل فيه قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات : 6].؟ واستطاع عبد الله ابن سبأ في استغلال هذه الحوادث وسوء افعال بعض الولاة، وخاصة مروان ابن الحكم الذي كان مسيطرا على الحكم داخل المدينة نفسها – استطاع ابن سبأ في اثارة العديد من العامة وبعض الصحابة ضد ولاة عثمان، وانتهى الامر الى الثورة وقتل عثمان رضي الله عنه. وكان لابن سبأ دور وأيّ دور في هذه الفتنة وقد استطاع بمكره وذكائه استغلال الاوضاع السيئة الموجودة، حتى أوقد نيران الفتنة .. وادعى محبة الامام علي، ثم ادعى ألوهية علي وكان له اتباع يروجون أقواله، فلما علم الامام علي بمقولته الشنعاء أمر بالقبض عليهم وأحرقهم بالنار، ولكن ابن سبأ استطاع الهرب والاختفاء فلم يستطع الامام علي ان يقتله وعندما دخل الانجليز الى عدن كان عدد اليهود ألفي شخص تقريبا، واتصلوا بالكابتن هينز وامدوه بكثير من المعلومات واشتغلوا جواسيس ضد الدولة العبدلية التي كانت في لحج والتي كانت تحكم عدن والتي حاولت ثلاث مرات ان تستعيد عدن من الكابتن هينز ولم تستطع بسبب قوة المخابرات البريطانية والتي كانت اعداد كبيرة منها بواسطة اليهود. واليهود في عدن اشتغلوا كتجار وكانوا يعملون خاصة في صياغة الذهب، واشتغلوا كجواسيس للحكومة البريطانية وموظفين لها، كما اشتغلوا في بيع الخمور بشكل كبير واليهود اليمنيون هم يمنيون تهودوا منذ أيام تُبّع الاكبر، وهم في الاصل قبائل يمنية منذ زمن طويل ، فهذا جعل لهم بقاء في البلاد اليمنية ككل وانتماء لهذه البلاد في 1947 بدأت الحركة الصهيونية في فلسطين بمذابح كبيرة، مذابح دير ياسين وقبية وغيرها، وقتلوا اعداد ضخمة من الفلسطينيين حتى يرهبوهم، ويخرجوا من بلادهم ويحتلون بلادهم، وكان شامير وبيجن هم القائمون بكثير من هذه المذابح والقتل، فثار الناس في عدن، عندما سمعوا الاخبار السيئة هذه، وكانت ثورة طبيعية ولكن كان وراءها أشياء سنذكرها الثورة الطبيعية ادت الى ان يقوم الناس باحراق اماكن اليهود، واماكن تجارتهم في كريتر عدن، واعتداء على منازل بعض اليهود واحراق بعض اليهود، نزلت بعض القوات البريطانية وحاولت ان تحمي هؤلاء اليهود واطلقت النيران مباشرة على كل من يقترب من منطقة اليهود، ولكن الغريب في الامر أن يهود عدن الذين هاجروا بعد ذلك الى بريطانيا وكتبوا كتابا اصدره المتحف البريطاني موثقا يقول ان بريطانيا كانت ايضا تطلق النار على بيوت اليهود حتى ترعبهم، وكانت بريطانيا مع رئيس اليهود الموجود في عدن (بنين)، وهو تاجر يهودي كبير في عدن، وفي فترة من الفترات كان يملك نصف بيوت عدن ويؤجرها، وكان بنين متصلا بالحركة الصهيونية وكان الغرض من ذلك كله دفع يهود اليمن الى الهجرة الى فلسطين، وبالفعل بعد هذه الحادثة هاجر يهود عدن ويهود اليمن الى فلسطين .. اتوا بهم من مناطق مختلفة من الشمال من(صعدا) وما حولها ومن صنعاء، واتوا بهم من بيحان وشبوة من المنطقة الجنوبية وغيرها، وتجمع آلاف اليهود في ما يسمى مدينة الشعب الآن ، في منطقة الحسوة ، تجمع فيها آلاف من اليهود وكانت تشرف عليهم بريطانيا في مخيمات خاصة وتقوم بتمريض المصابين منهم، وكان بعضهم مرضى وبعضهم عندهم حالات معدية من الحشرات والطفيليات ، فكانوا يقدمون لهم العلاج والدواء والغذاء حتى تتحسن صحتهم و بدأت الخطوط الجوية البريطانية ، في نقل اليهود الى فلسطين (اسرائيل) في رحلات متتابعة واطلق عليها ( بساط الريح) . منذ نهاية 1947 الى نهاية 1948 وفي خلال سنة تم نقل 50 الف يهودي من عدن الى فلسطين (اسرائيل) . وكان اليهود يجمعون من كل مكان في اليمن، وكان عدد اليهود في عدن قد وصل الى عشرة الاف نسمة، ولم يهاجر كل يهود عدن بل هاجر جزء منهم .. وقد تكاثروا في اسرائيل بعد ذلك حتى وصل عددهم الى 300 ألف يهودي يمني في هذه الأثناء من سنة 1947 كان أخي أحمد وهو يكبرني بسنتين أو ثلاث المولود في دوعن قد أتى به الوالد من دوعن لأن والدته توفيت وهو طفل رضيع وربته جدتي هناك وبقى في مدينة الخريبة في دوعن ودرس في مدرستها لكن هذه المدرسة كانت بسيطة ، وأراد الوالد ان يلتحق بمدارس عدن لأنها أفضل بكثير من مدارس دوعن. وفي اليوم التالي بعد وصوله الى عدن أخذته ليشاهد معالم مدينة عدن وبدأت بتلة قريبة من المنزل كان فيها مستشفى للامراض الصدرية اعلى التلة ، وهي مطلة على كريتر على عدن نفسها، ولكن فجأة قامت مظاهرات ضخمة وأعداد كبيرة من الناس وتدافع كبير فانفلت من يدي، كان عمري في ذلك الوقت سبعة سنوات وأشهر وهو في التاسعة أو العاشرة، وذهبت أبكي إلى البيت لقد فقدت اخي فجأة ولم اعرفه الا منذ اقل من 24 ساعة، فكيف أفقده؟ وكان ذلك شيء مرعبا بالنسبة لي وكنت أيضا خائف من والدي، والوالد بالحقيقة حزن كثيرا وبنفس الوقت عرف أن هناك مظاهرات ضخمة فخرجوا بسرعة وبحثوا عنه حتى وجدوه، وكان هناك إطلاق نار وتدافع شديد واحراق أماكن اليهود بالذات، كانت هناك فوضى شديدة، ومن الممكن أن يصيبه مكروه، وبفضل الله سبحانه وتعالى وجدوه قبل أن يصاب بأي مكروه وعاد الى البيت وأخذته أمي، وكانت أمه الثانية لأنه فقد أمه وهو رضيع وكانت جدتي أم الوالد هي التي كانت ترعاه في حضرموت في دوعن ، فهذه أحداث 1947 وهي أحداث مهمة جدا
مدارس عدن وبداية التعليم بالنسبة لي كانت عدن مدينة تنهض وتسير بسرعة في كثير من المجالات . وفي سنة 1947-1948 كان والدي يريد ان يعلمني في البيت ويحضر لي مدرسين ويعلمني التجارة لكي أصبح تاجرا مثلهم، لكن كان أحد أقارب والدتي السيد حامد الصافي مدير مدرسة متوسطة، وكان سيُرسل إلى بريطانيا لزيادة دراسته بالتعليم حتى يعود مسؤولا أكبر، وكان صديقا للوالد أيضا، فنصح والدي وقال له :قد يضيع الولد يجب ان تدخله مدرسة مباشرة، فدخلت المدرسة وأنا متأخر في عمر 8 سنين تقريبا بصعوبة، فلم يوجد لي مكان لأني تأخرت بالتسجيل فأرسلوني الى المعلا، ومن ثم انتقلت الى مدرسة في عدن يسمونها مدرسة السيلة (سكول رسدينسي وهي اختصار لكلمة إنجليزية أي محل اقامة المسؤول البريطاني في عدن) ؟ وهي مدرسة كبيرة، ومن كبرها وقوتها صارت بعد ذلك المتحف الحربي، ولها الأن أكثر من 80 سنة ضخمة وفخمة جدا، وكان مديرها في ذلك الوقت الشيخ كامل صلاح، وهو رجل من مكة المكرمة. وكثير من الأسر المكاوية كانت تأتي الى عدن، لأن فيها حرية ومنفتحة ومن هؤلاء جاء الشيخ كامل صلاح إلى عدن وصار مدير هذه المدرسة، ومن ثم ذهب الى منطقة أخرى في لحج وصار قاضيا شرعيا مسؤولا.. وهو من علماء عدن الكبار وهو رجل فاضل جدا رحمة الله عليه، وكان جارنا وبيته قريب من بيتنا، وابنه الأخ عدنان كنت أكبر منه بعدة سنوات، لكن نتيجة القرب في الشارع والبيوت المتقاربة جدا فكان بيننا صداقة، وبعد أن انهارت عدن بالحكم الشيوعي، رجع هو وأهله وأخواته الى السعودية، واخذوا جنسيتهم مرة أخرى، وصار لديه أعمال تجارية وكان أيضا صحفيا يكتب في (صحيفة المدينة) وغيرها، وله مقالات اسبوعية مستمرة من فترة طويلة هذه أسرة من الأسر المكاوية الحجازية وفي اخر سنة 1947-1948 دخلت الى المدرسة، وكان في نفس الفصل إلى جانبي أخي وزميلي وصديقي شهاب غانم في ذلك الوقت ووالده كان نائب مدير التعليم في عدن ، ومن بعد ذلك تولى ادراة التعليم كلها، وكان من القلائل الذين أتيح لهم الدراسة في بيروت بالجامعة الامريكية، والقلائل الذين اخذوا الشهادات العالية، وبعد ذلك وصلوا الى الدكتوراه وغيرها، وتعمقت الصداقة بيني وبين زميلي وصديقي بعد ذلك وتولى بعد الشيخ كامل صلاح ادارة مدرسة السيلة السيد محمد الباقر الحازمي، وهو من عائلة الحازمي وهم قد أتوا من المخلاف اليماني (من نجران جيزان إلى عسير)، وكانوا من الأشراف الحسنين نسبة إلى سيدنا الحسن، وكان فيهم علماء، وجدهم الذي جاء إلى عدن أحد كبار العلماء، عينته الحكومة البريطانية قاضيا شرعيا في الصومال ثم أتت به إلى عدن، وصار القاضي الشرعي في عدن، وأولاده دخلوا في سلك التعليم منهم السيد محمد الباقر وأخوه السيد زين الحازمي، وبعثته بريطانيا في البعثات الأولى مع السيد حامد الصافي (أحد أخوالي)، وصار من ضباط ادارة التعليم الموجودة هناك آل الحازمي هم أخوال والدتي ، والصلة حميمة لانهم أخوال الوالدة مباشرة، جدي عبد الله(عبيد) بن أحمد الصافي، تزوج منهم وانجب مجموعة من أولاده وبناته، وبعد وفاة زوجته من آل الحازمي تزوج امرأة اخرى من آل السقاف، وقد تزوج ثلاث مرات، ولكن المجموعة الكبرى من اولاده وبناته كان اخوالهم من بيت الحازمي، فهذه المجموعة مجموعة علم وفضل، لهم دور في عدن بعد ذلك . ومن بيت الحازمي الشريفة قدرية زين الحازمي التي تخرجت من الجامعة الامريكية في بيروت كانت من البعثات الاولى من الفتيات التي ضمت أيضا أصغر خالاتي الشريفة عائشة عبد الله الصافي وكلاهما استقر في الامارات العربية في (ابو ظبي )، وأخذتا الجنسية الاماراتية وكان لهما دور كبير في تعليم الفتيات ومن ميزات هذه المدرسة الأبتدائية أنها كانت تعطي كل طفل في فترة الفسحة كأس حليب طازج حار وحبة موز، وكان علي التركي عنده أعداد كبيرة من الأبقار ويورد للمدارس الحكومية كلها الحليب، وعنده مجموعة من الفنادق ... كانت هذه السياسة جيدة جدا بدلا من الغازيات وغيرها. لقد أخذت الحكومة هذا المبدأ السليم في المدارس الابتدائية لان بعض الطلبة فقراء لا يستطيعون ان يحصلوا على الموز والحليب لكل طفل ... هذا النظام مهم للاطفال ويحتاج تعميمه بدلا من الأكل الذي انتشر بعد ذلك من بوفيهات وغيرها بما فيها من حلويات وغازيات وكلها مواد فيها كمية كبيرة من السكر وملونات ومواد صناعية ضارة صحيا، فالعودة الى النظام القديم أفضل ما يحفظ صحة الأطفال كانت هناك مدارس أخرى أهلية بجانب المدارس الحكومية الموجودة، منها مدرسة بازرعة وهي مدرسة اسلامية وخيرية، كان أحد التجار من آل بازرعة له دور كبير فيها وقد قامت بتعليم الطلبة .. فيها ابتدائية ومتوسطة وبعدها وصلت إلى الثانوي أيضا، وكان مدير المدرسة كلها الشيخ علي باحميش وهو خريج الأزهر الشريف. وكان لها نظام جيد في اللغة العربية والتعاليم الاسلامية، بالإضافة إلى المواد التعليمية الأخرى مثل المواد العلمية والأدبية والرياضيات والعلوم وغيرها، وكانت تدرس اللغة الإنجليزية، ولها أنشطة أجتماعية ولها كشافة. هذه مدرسة من المدارس المهمة التي تخرج منها عبد الله باذيب وعلي باذيب وغيرهما وكانا من أوائل الصحفيين المشهورين في عدن وكذلك كانت هناك مدرسة الفلاح، أسسّها السيد حسين الدباغ المكي أسس مدرسة في عدن ومدرسة في المكلا في فترة مبكرة عام 1930 ولكن الإنكليز رأوا ان مناهج هذه المدارس قوية من جميع النواحي دينيا ولغويا و أيضا فيها نشاط كشافة ونشاط علمي، فخافوا من ذلك الاتجاه مما يؤدي بعد ذلك إلى مجموعة من الشباب الذين سيتخرجوا ويطالبوا بالاستقلال والوطنية، فطلبوا من السيد الدباغ ان يغادر البلد وان يعود الى مكة المكرمة فعاد ولكن بقيت مدرسة الفلاح في عدن بعد ان توقفت في المكلا، استمرت في شارع الزعفران وتولاها بعض الاشراف الذين اتوا من المملكة العربية السعودية، من منطقة جيزان وما حولها، وكان الذي تولاها الشريف عدنان الشريف، وهي مدرسة فيها جانب ديني جيد في دراسة وتلاوة وحفظ القرآن، والفقه الاسلامي، واضيف اليها الرياضيات واللغة الانكليزية وبدون شك كانت من ناحية تدريس اللغة العربية والناحية الدينية أفضل من المدارس الحكومية بكثير، ولكن من ناحية المواد العلمية الأخرى أقل من المدارس الحكومية توضح هذه الانشطة الاهتمام الكبير الذي أولاه أهل مكة والحجاز بعدن والمكلا، و ذكرنا أن العائلات المكية كانت كثيرة، مثل الشيخ كامل صلاح وهو مكي، وتولا بعده السيد محمد الباقر وهو من آل حازمي الذين جاؤوا من عسير كما أسلفنا ومن أهل مكة أسرة آل امان ومن أبرزهم الأستاذ لطفي جعفر أمان الذي سنفرز له فصلا خاصا وهناك العديد من المدارس الحكومية الإبتدائية والمتوسطة والثانوية، ومنها مدارس للبنات، كما قامت الحكومة ببناء مدارس لأبناء وبنات اليهود، وكانت مدرستهم قريبة من مدرستنا السيلة ، كما كان لليهود مدارس خاصة بهم لتعليم أولادهم وبناتهم وتركز على الناحية الدينية الخاصة بهم. وكان للهندوس مدارسهم الخاصة بهم وقامت الجالية الهندية المسلمة بفتح مدرستين هما مدرسة انجن إسلام ومدرسة باجي لالجي الإسلامية، كما قام راجم نار أحد أثرياء الهنود المسلمين باقامة معهد تجاري يخرّج مجموعة من الموظفين للبنوك والمسائل الحسابية والمالية، وقد سعى الشيخ محمد سالم البيحاني في اقامة معهد اسلامي ديني، ونجح في ذلك، وقد درّس في هذا المعهد الأستاذ الدكتور أحمد محمد علي من أهل مكة المكرمة، والذي كان أول مدير لجامعة الملك عبد العزيز في جدة عند انشائها ثم صار مديرا للبنك الاسلامي الدولي منذ انشائه الى اليوم (2018)!؟ وهناك مدارس الكنيسة الكاثوليكية (سنت جوزيف) والتي تعرف باسم البادري (الاب باللغة الايطالية) في عدن وهي من الإبتدائية إلى الثانوية، وتدرس باللغة الإنجليزية فقط، وتمنع أي لغة أخرى، وبعض طلبتها هم من اللقطاء والايتام الذين اخذتهم الكنيسة في عدن، ولها رسوم رمزية بالنسبة للأخرين. وبطبيعة الحال تدرس بعض التعاليم المسيحية فقط، ولا تدرس أي دين أخر، بل وتحاول اغراء الطلبة المسلمين بالتحول الى المسيحية بشكل غير مباشر وقد قامت الحكومة البريطانية بإقامة مدرسة فوق جبل حديد في عدن وجعلتها مدرسة داخلية وهي مخصصة لأبناء السلاطين ومشايخ الجنوب. وهي سياسة ذكية حيث تأخذ أبناء المشايخ والسلاطين ويكونوا عندها كرهائن بحيث لا يستطيع أي أحد من هؤلاء المشايخ أو السلاطين أن يثور على بريطانيا لأن أبنائهم موجودون لدى بريطانيا، وكانت هذه المدرسة مخصوصة فقط لهذه الطبقة وهم معزولون تماما عن المجتمع ويدرسون من الأبتدائية حتى الثانوية، وترسل بريطانيا الأذكياء منهم بمواصلة التعليم في بريطانيا وعندما قامت حكومة عدن بافتتاح كلية عدن قام التاجر الفرنسي المشهور البس بافتتاح المعهد الفني في المعلا وهو معهد راقي يؤدي الى أخذ الشهادة من بريطانيا ستي إنجلز ثم صار هذا المعهد كلية الهندسة فيما بعد ومن هذه الأسر أسرة المكاوي وقد ظهر منها الشيخ عبد المجيد المكاوي الذي قدم خدمات جديدة لعدن وأعطته الملكة اليزابيث عند زيارتها لقب سر (KBE) (فارس الإمبراطورية ) مع السيد أبو بكر بن شيخ الكاف الذي قام بتعبيد الطريق من الشحر إلى سيون لاكثر من مئتي كيلومتر على نفقته الخاصة كما قام بتهدئة القبائل وأنفق عليهم أموالا كبير، وقام بإفتتاح عدة مدارس ومستشفى أيضا على نفقته الخاصة وقد جلب كل ثروته الكبيرة من سنغفورة وأنفقها في هذه المشاريع الجليلة، فإعترفت بفضله حكومة بريطانيا ومنهم الأستاذ عبد القوي مكاوي كان موظفا كبيرا في شركة البس وهو رجل اداري جيد، وفي الخمسينات من القرن العشرين قامت بريطانيا بإجراء إنتخابات للمجلس البلدي في عدن، وكانت الإنتخابات حقيقية، وكان يسمح لأبناء عدن فقط لدخولها، وبعدها سمحوا بالإنتخابات للمجلس التشريعي الذي كان معيّنا، ويرأسه الحاكم الانجليزي مباشرة، ثم بعد ذلك سمحوا لهم أيضا بإنتخاب رئيس المجلس بدلا من الحاكم البريطاني، وبعدها سمحوا ان يكون من أبناء عدن رئيس وزراء، وكان عبد القوي مكاوي رئيسا للوزراء لفترة محدودة اصطدم بعدها مع السلطة البريطانية، وانضم إلى الحركة الوطنية .. ثم بعد ذلك صار رئيسا لجبهة التحرير الوطنية وغادر عدن مع كثير من السياسين والمناضلين الى القاهرة التي دعمت الثورة الوطنية في الجنوب وسيأتي شرح دوره عندما نتعرض للحركة الوطنية في عدن والجنوب
بعض اساتذتي في المدرسة الابتدائية قد درسني فيها عدا الاستاذ لطفي جعفر أمان (الذي سنذكره فيما بعد بشيء من التفصيل) مجموعة من الأساتذة الفضلاء منهم الأستاذ بارحيم وكان شديد الأناقة وكان يلبس طربوشا متميزا ، كان يدرسنا اللغة العربية وغيرها وكان لديه مسطرة غليظة يضرب بها من يخطئ ومن مدرسينا الأستاذ حامد خليفة درسنا العلوم، وأذكر في السنة الرابعة الإبتدائية أنه جاء بصور متعددة لمراحل تطور خلق الإنسان من قرد ... وتدريس نظرية التطور لأطفال صغار أمر مربك لهؤلاء الصغار، وقد ذهبت إلى والدي اشتكي له ما قاله الأستاذ : هل صحيح أن أصل الانسان من قرد ؟ فقال الوالد رحمه الله : كلا ، إن الانسان مكرم خلقه الله سبحانه وتعالى مباشرة من الطين وكرمه {ولقد كرمنا بني آدم } وقلت له وماذا افعل في الامتحان، قال اكتب كما يقولون، ولكن لا تصدقهم وهذه أول مشكلة كنت أواجهها، اختلاف المعلم والوالد، واختلاف البيت والمدرسة، وهي معضلة لكثير من الطلبة أمثالي، وكان من الواجب أن لا تدرس هذه النظرية على الاطلاق، لأنها مثار جدل شديد، واذا كان لا بد من تدريسها فيجب أن تكون في مراحل الثانوية العالية والجامعات، حيث يمكن مناقشتها وما فيها من أراء مصادمة للتصورات الدينية والغرض من تدريسها في العهد الاستعماري للأطفال، هو إخراج جيل مضطرب المفاهيم تماما، ولديه تشكك في المفاهيم الدينية .... على أية حال لم تكن المدارس الحكومية تدرس مادة الدين في المراحل التعليمية إلا نزرا، وكثير من الطلبة لم يكونوا يعرفون من الدين الا أقل القليل، ولا يستطيعون تلاوة القرآن، بل وبعضهم لا يعرف كيف يصلي، واذا لم يكن في البيت حاضنة يتعلم فيها الطالب الصلاة والشعائر الدينية وقراءة القرآن، فإنه لا يتعلم ذلك في المدرسة اطلاقا وكثير من البيوت تهتم بتعليم أطفالها المبادئ الدينية الأولية وقراءة شيء من القرآن، وعلى الأقل جزء عم وبعض الأسر تهتم في تدريس أبناءها وبناتها، القرآن والشعائر الدينية. وقد تذهب بهم إلى حلقات دراسة القرآن في المساجد القليلة التي تدرس القرآن.. ويختلف هذا من أسرة لأسرة
المدرسة المتوسطة قد دّرسنا بالاضافة الى الاستاذ لطفي مجموعة من الاساتذة الفضلاء منهم الاستاذ عمر عبد العزيز الذي درس في جامعة القاهرة كلية الآداب وعاد ليدرسنا اللغة العربية، ومنه الاستاذ حسين دلمار (عدني من أصل صومالي) الذي درسنا اللغة الانجليزية والذي صار فيما بعد أحد أصدقائي. والاستاذ ابراهيم لقمان الذي درسنا الرياضيات وكان بارعا فيها وفي تدريسها. ومنهم الاستاذ عبد الرحيم لقمان خريج الجامعة الامريكية بالقاهرة الذي كان مديرا للمدرسة المتوسطة ، وكان يدرسنا اللغة الانجليزية وقواعدها، كما كان يستعمل بكثرة اللهجة العدنية الدارجة المضحكة في توبيخ التلاميذ، ولم يكن يضرب أحدا قط، بل يكتفي بالأسلوب الساخر والنكتة العابرة وكان من بين أساتذتنا أيضا الأستاذ الشيباني الذي درسنا الجغرافية وكان شديد الإهتمام بالخرائط ويطلب من الطلبة أن يرسموا خرائط القارات وغيرها ويحاسبنا عليها حسابا شديدا وقد درسنا أيضا الأستاذ هاشم عبد الله وهو عراقي الأصل وأستقر في عدن وتزوج من أحد بيوت عدن المعروفة (بيت الباصهي). كان الاستاذ هاشم أحد الذين ساندوا ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق، ووضع كتابا بعنوان "جزيرة العرب تتهم حكامها". وكان يدرسنا اللغة العربية ويتميز بهدوئه الشديد وبلاغته وخطه الجميل وقدرته على القصص بحيث كان يسحر الطلبة بقصصه الجميلة ويجعلهم منتبهين الى ما يقول، وقد استمر لتدريسنا الى المرحلة الثانوية في كلية عدن وكانت المدرسة المتوسطة جميلة ومطلة على بحر صيرة ، وأمام المدرسة جزيرة صغيرة عليها جبل وفي قمة الجبل قلعة تاريخية منذ أيام الأتراك أو ربما قبل الأتراك، لحماية الميناء، وكان مدرس الرسم يطلب منا أن نرسم تلك القلعة مع ساحل صيرة، وهناك جسر (كوبري) يصل بين صيرة وهذه الجزيرة فكان يعطي منظرا بديعا وكنا ننزل في الفسحة مباشرة الى الساحل، وفي أحد الفصول كنت بجانب النافذة المطلة على البحر وفجأة رأيت مجموعة من الدلافين تتراقص امامي فشدّت انتباهي وأبعدتني عن الدرس تماما، حتى انتبه الاستاذ وصرخ بي ماذا تفعل ؟ فقلت : ألا ترى هذه الحيتان تقفز وتتراقص أمامي ؟ فقال : انظر الى الدرس أهم وكانت تتميز المدرسة بملاعبها والمسابقات الرياضية وفرقها الرياضية، وفي أخر السنة كان هناك مسرح. وكان الطلبة يشتركون في التمثليات التي يقوم باخراجها بعض الاساتذة المهتمين وكانت المدرسة تنظم رحلات الى السواحل الجميلة ومن ضمن ذلك الى البريقة (عدن الصغرى) حيث سواحلها الذهبية الجميلة، وينزل الطلبة للسباحة مع بعض الأساتذة، ولكن جاءت دوامات واصابة الذين توغلوا في السباحة ولم يستطيعوا العودة، وكان هناك هرج ومرج ولم يكن هناك من يجيدون السباحة اجادة تامة وحتى من الاساتذة، ولكن بفضل الله مر أحد اللبنانيين الموظفين في شركة المصافي اثناء بناءها ويبدو انه بطل سباحة فأسرع بانقاذ الطلبة، وبالفعل انقذ مجموعة طيبة منهم، ولم نفقد أحدا بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل هذا السباح الماهر وفي سنة 1953 نظمت الحكومة إحصاء سكاني لمستعمرة عدن واستخدمت المدرسين والطلبة لجمع المعلومات الاحصائية. وكان يرأس مجموعتي الأستاذ حسن علي مليبار (وهي كيرالا في جنوب شرق الهند) وكان الأستاذ يسكن في نفس الحارة التي نسكن فيها وينظم الحملات لزيارة المنازل في الفترة المسائية حيث يكون الأهالي عادوا إلى منازلهم، وبالفعل سهرنا عدة ليالي حتى جمعنا المعلومات الوافية المطلوبة وتمت مكافئة الأساتذة والطلبة بمبالغ رمزية تشجيعا لهم على ما قدموه من معلومات وقد قامت المدرسة برفع أوائل التلاميذ من صف الى صف أعلى اذا تميزوا في الامتحان الفصلي، وتم نقلي من الصف الأول المتوسط الى الصف الثاني، حيث كان أخي أحمد يدرس في ذلك الفصل، وقد استطعت أن اتجاوز الفروق في دروس المواد المختلفة بسرعة وأن يكون ترتيبي الثاني في الفصل الجديد ولكني عانيت فيما بعد من عدم فهم النحو العربي بسبب فقدان عدة دروس نتيجة اختصار الفترة الدراسية ورغم اني كنت متفوقا في اللغة العربية ما عدا النحو، ولم أستطع التغلب على هذه المشكلة إلا فيما بعد عندما بدأت الكتابة والتأليف ومنذ دخولي المرحلة المتوسطة بدأت بقراءة كتب الادب العربي وخاصة كتب الدكتور طه حسين بتشجيع من عمي محمد الذي كان مغرما بطه حسين، حتى ان بعض زملائي في المدرسة كانوا يسخرون مني ، ويدعونني طه حسين وفي الفترة المبكرة أحببت قراءة الكتب المختلفة حتى انني أهملت كرة القدم التي كنت أحبها وكرة التنس التي بدأت اتعلمها، وكل ما لدي منالسينما، وأطلب من عمي الأخر عبد القادر ثمن التذكرة لأشتري بها كتابا. وفي فترة المتوسطة قرأت معظم كتب طه حسين وعبد القادر المازني وتوفيق الحكيم وعباس محمود العقاد، وبدأت بقراءة أحمد أمين في كتبه العويصة، فجر الإسلام وضحى الإسلام، وظهر الإسلام ويوم الإسلام . وكتب زكي مبارك وهي رسائل دكتوراة معقدة في الأدب العربي والتصوف والغزالي وغيرها، وكنت أفهم بعضها ولا أفهم الكثير منها، ولكني كنت أصر على قراءتها وإكمالها وإتمامها وكنت أسأل والدي عن ما أشكلَ عليّ فيقول لا أعرف الاجابة ودا المحضار فاسأله، وكان صديق الوالد وكان كثيرا ما ياتي الى بيتنا الى جلسة الشاي في فترة العصر اذا كان في عدن. وأذكر سنة 1954 طلبت منا إدارة المدرسة الإستعداد لإستقبال ملكة بريطانيا العظمى الملكة اليزابيث الثانية التي زارت عدن في تلك الفترة، فتُعللت باني مريض وذهبت. مع ابتداء الوعي الوطني في تلك الفترة عندما زرت عدن في بداية القرن الواحد والعشرين، وجدت المدرسة قد تهالكت مبانيها، ولكنها تحمل اسم الاستاذ لطفي جعفر أمان. وتم فصلها عن ساحل البحر بطريق معبد تمر فيه السيارات، وتحتاج المدرسة الى ترميم أو إعادة تشييد بعد هذا الزمن الطويل كلية عدن إعتمدت في كتابة هذا الفصل على ما بقي من الذاكرة ومن المحادثة مع بعض الزملاء القدماء وعلى موقع خريجي كلية عدن الذي قام به لفيف من خريجي الكلية على رأسهم الأخ العزيز الأستاذ الدكتور عبد الله السياري ومعه ثلة من الخريجين القدماء من أمثال الأخوة الإعزاء الدكتور شهاب غانم والاستاذ أشرف جرجرة http://www.adencollege.info/html/body_reunions1.html وقد بدأ الموقع بذكر نبذة عن تاريخ عدن أخذها من موقع استرالي مليئ بالأخطاء فهو يذكر مثلا أن عدن كانت مستعمرة مصرية قديمة ثم صارت مستعمرة رومانية قديمة ثم صارت مستعمرة حبشية قديمة ولم تكن لها أي صلة باليمن إلا بالقرن السابع بعد الميلاد أي بعد ظهور الإسلام بمئة سنة وهذا كله كذب وافتراء . وقد ذكر الموقع أيضا أن سلطان لحج وعدن قد تنازل عن عدن لبريطانيا، وهذا أيضا كذب وإفتراء، كما ذكر الموقع أن سكان عدن عندما دخلها القبطان هنز غازيا سنة 1839 كانوا حوالي ستمئة شخص من الصيادين الفقراء ... وهذا أيضا كذب وإفتراء ، لأنه يقول أن السكان قد زادوا من هذا العدد الضئيل الى 25 ألف خلال ثلاث سنوات فقط والواقع أن سكان عدن هربوا عندما هجمت بريطانيا بمدافعها الرهيبة على ميناء عدن (كريتر) وأحتلوها ثم بعد أن إستقرت الامور عاد السكان الى بلدهم ولن أطيل في تخرُّصات وأكاذيب هذا الموقع التاريخي التافه الذي تحدث عن عدن والذي أخذ منه خريجوا كلية عدن هذا التاريخ المشوه وقد اوضحتُ تاريخ عدن في كتابي "عدن لؤلؤة اليمن " في ثلاثة اجزاء كاملة اصدار كنوز المعرفة جدة 2012 !؟ وقد كان النظام التعليم الحكومي في عدن أربع سنوات ابتدائية وسبع سنوات ثانوية تنتهي بأخذ شهادة الثانوية من جامعة كامبرج البريطانية، ولكن تم تغيير هذا النظام الى أربع سنوات إبتدائية وثلاث سنوات متوسطة ثم أربع سنوات تنتهي بأخذ شهادة الثقافة العامة( GCE) من جامعة لندن، وبعدها سنتان للثانوية المتقدمة لدخول الجامعات في بريطانيا. وبناء على هذا النظام الجديد إفتتحت كلية عدن وبدأت أول دفعة من الطلبة في سبتمبر 1952. وكانت فكرة إقامة كلية عدن قد راودت السير برنارد رايلي الذي عمل في عدن في ثلاثينيات القرن العشرين كضابط سياسي ثم صار حاكما لمدينة عدن من سنة 1937الى سنة 1940، وسعى سعيا حثيثا لاقامة هذه الكلية التي كان يأمل أن تتحول إلى جامعة فيما بعد وقد اختير لها موقع ملاصق لدار سعد التابع لسلطنة لحج وتقع في أخر حدود مستعمرة عدن وقد خصص لها 73 آيكر (فدان)، وطالت فترة المشروع حتى تم تنفيذه بالكامل عام 1952 بإشراف وتوجيه مستر كريستوفر كوكس المدير التعليمي المسؤول في ذلك الوقت في عدن وأفتتحت رسميا في 13 يناير 1953 بحضور السير كريستوفر كوكس وحاكم عدن السير توم هيكينبوثم وقد بنيت بشكل حديث وفيها مباني الدراسة والمختبرات وقاعة كبيرة للمحاضرات والإحتفالات، وقاعة كبيرة للطعام وعشرات الملاعب المختلفة بما فيها ملاعب الكرة والتنس الأرضي والبادمنتن وكرة الطائرة ومساكن متعددة للطلبة الداخليين ومساكن للأساتذة المدرسين وكانت مساكن الانجليز فخمة تليها مساكن الهنود والمحليين كانت الإمتحانات لدخول الكلية صعبة حتى ينتقوا الطلبة من كافة المدارس، كما خصصوا مقاعد للطلبة من المحميات الذين أعطوا المساكن الداخلية وكان في الكلية مكتبة جيدة ومسجد كبير للصلاة وقاعة مسرح ومحاضرات، وكان الطلبة يدرسون يوما كاملا ويتناولون وجبة الغداء في الكلية، وخصصت فترة ما بعد الغداء لاداء الواجبات والأنشطة الرياضية والثقافية وكانت الدراسة باللغة الانجليزية ماعدا اللغة العربية وأدبها، أما الدين فكانت دروسه ضئيلة جدا ولم يكن فيه أي امتحانات وكانت الإجازة الإسبوعية يوم الأحد فقط وبالتالي كان على الطلبة والأساتذة المسلمين العرب أن يقيموا صلاة الجمعة في المسجد، وعادة ما يتولى أحد الأساتذة مثل السيد هاشم عبد الله أو الأستاذ ابراهيم روبلة (عدني من أصل صومالي) أوغيرهما القاء خطبة الجمعة كما كان يلقيها بعض الطلبة الكبار، مثل قيس غانم وشهاب غانم وغيرهما. وقد ألقيت خطبة جمعة بعنوان " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " وأعتبرت أن أكبر منكر هو الإستعمار ووجود بريطانيا في عدن ووجوب مقاومتها وإخراجها من عدن، وكانت خطبة الجمعة الوحيدة التي ألقيتها في حياتي وقد درّسنا في كلية عدن مجموعة من الأساتذة الفضلاء المحليين مثل أستاذ لطفي أمان وهاشم عبد الله و عبد الله المحيرز وحسين الحبشي الذي كان بارعا في التربية الرياضية وابراهيم روبلة الذي صار فيما بعد أول مدير عدني لكلية عدن ومن البريطانيين مستر شربس الذي كان مدير الكلية والذي درسنا اللغة الانجليزية أيضا، ومستر فوكس الذي درسنا الجغرافية، ومستر هنت الذي درسنا الرياضات وكان محبا للعرب وكثيرا ما يذكر إنجازاتهم في الرياضيات، ومستر ميلر الايرلندي الذي درسنا الكيمياء خمس سنوات. وكان محبا للعرب ويذهب إلى المطاعم العدنية ويجلس معهم وكانت زوجته أمينة المكتبة، على عكس أستاذ الفيزياء مستر رينولدز الذي درسنا الفيزياء والذي كان يكره العرب ويحتقرهم .. ومستر كليفورد الذي درسنا تاريخ الإمبراطورية البريطانية ثلاث سنوات والذي بدأ أول يوم في التدريس بكتابة تحيا ويلز فصفقنا له تصفيقا حارا .. ودرسنا اللغة والأدب الإنجليزي مستر ماكنيل و مسترلاودن ، ومستر هول الذي تميز بخفة دمه وكثرة نكاته، وكان يتبادل النكات مع أحد زملائنا الطلبة أبو بكر خليل ودرّسنا اثنان من الأساتذة الهنود المسلمين هما : الأستاذ نظير(نذير) وكان بارعا في الرياضيات، والذي كان يردد الرياضيات ليست ألاعيب وشعوذة والأستاذ شلوان الذي درسنا الأحياء، وفي السنة الأخيرة كان يأخذنا إلى بستان الكمسري القريب من الكلية ومعنا مكروسكوبات صغيرة لندرس النباتات هناك كنت أحرص على الذهاب إلى المكتبة في أي وقت فراغ أجده، بالإضافة إلى حصة المكتبة الأسبوعية، وكثيرا ما أتهرب من حصة الرياضة وكرة القدم وأذهب بدلا عنها إلى المكتبة، وقد قرأت فيها كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي وهو كتاب ضخم وغير مسموح إستعارته. وقرأته كله خلال سنتين وقد حدثت عدت حوادث في كلية عدن أهما بالنسبة لي أ- أعز اصدقائي في تلك الفترة حسن سعيد العمودي قد صدمته سيارة الأوتوبيس التي كنت فيها عند عودتنا من الكلية إلى منازلنا ، وقد خرج من الأوتوبيس الذي يتقدمنا وقطع الطريق فصدمه الاتوبيس الذي كنا فيه أنا وأخي وكانت صدمة كبيرة لنا فهو صديق وجار لناوظللت فترة أزور قبره كل يوم تقريبا، واقرأ له الفاتحة وما تيسر من القرآن، وكنت أشاهد شابا يقف أمام قبر أخر أيضا، كلما جئت لأزور قبر صديقي، وقد عرفت فيما بعد أنه هو السيد عيدروس عبدو باهارون الذي فقد زوجته الشابة التي كان يحبها، وظل فترة طويلة يداوم على زيارة قبرها والدعاء لها ... ثم تزوج أخوه الأصغر حسن باهارون من أختي أسماء وتوطدت العلاقة بين الأسرتين ب - قام الطلبة الداخليون في كلية عدن بالاضراب بسبب رداءة الطعام الذي يقدم لهم وخاصة في شهر رمضان ولم تسمع الإدارة شكواهم بل أرادت معاقبتهم، وكان قد أستلم الإدارة مدير انجليزي جديد هو المستر بورتشيس، وتضامن كثير من الطلبة مع زملائهم المضربين وكنت أنا وأخي ضمن هؤلاء المتضامنين. وأثرنا الصحافة المحلية ضد هذه الإدارة المتعجرفة واضربنا نحن أيضا عن الدراسة، وعندما هدأت الامور أصر مدير المدرسة الانجليزي على معاقبة الطلبة المضربين بالضرب، ومنهم أخي أحمد، فرفض الوالد وبدأت مجموعة من الطلبة بالذهاب إلى مصر للدراسة فيها التي فتحت أبواب مدارسها لهم، وكانت الحركة الوطنية قد إشتد عودها وكثرت الأضرابات العمالية والمظاهرات الوطنية ضد بريطانيا في عدن. كما قامت بريطانيا بمهاجمة رابطة أبناء الجنوب الذين هرب معظم زعمائها إلى مصر كما هاجمت النقابات العمالية التي كانت تقوم بالاضرابات المتتالية، وكانت الصحافة المحلية في تلك الفترة تشدد الهجوم على سياسة القمع البريطانية، كان أبرز الصحفيين في تلك الفترة عبد الله باذيب وأخوه علي باذيب وصديقهم باخبيرة، ثم قامت الحكومة البريطانية في عدن بمحاكمة عبد الله باذيب وخرجت مظاهرات حاشدة ضد هذه المحاكمة، واضطرت المحكمة إلى السماح له بالسفر إلى صنعاء ومنها إلى روسيا ج - وإشتركت مع مجموعة من الطلبة في الكلية بإجاد تيار مضاد للحكومة الإستعمارية في عدن، وكنت أكتب العديد من المقالات في صحيفة الجنوب العربي وغيرها ضد السياسة الإستعمارية البريطانية باسم مستعار ح - بعد حرب السويس عام 1956 والعدوان الثلاثي على مصر من قبل بريطانيا وفرنسا واسرائيل، هاجت الجماهير وقامت في مظاهرات عدة واشترك فيها كثير من الطلبة، وعندما عادت إحدى المدمرات التي إشتركت بالحرب إلى ميناء عدن، رتبت إدارة المدرسة زيارة هذه المدمرة للطلبة، وطلبت إذنا بمقابلة قبطان المدمرة أو نائبه لأخذ حديث صحفي معه، وقد قمت بأخذ حديث صحفي طويل مع نائب القبطان عن هذه المعركة وتفاصيلهاوكتبته في صحيفة حائطية في المدرسة (باللغة الانجليزية)، وقد صدرت هذه الصحيفة بالتعاون مع بعض الزملاء مثل محمد عاصم وعمر الشاطري وأبو بكر القربي وغيرهم، وكان العدد كله هجوما على السياسة الاستعمارية البريطانية وقامت ادارة المدرسة بمنع الصحيفة وإزالتها وللإنصاف فإن إدراة المدرسة كانت تسمح بإنتخاب الطلبة الذين سيديرون المقصف وأنشطة المدرسة الأخرى، كما أن هناك جمعية عمومية للطلبة لمناقشة هؤلاء الممثلين للطلبة وتدربهم على النظام الديمقراطي كان طلبة الكلية من جميع الجنسيات من العرب والصومال والهندوس وبعض الفرس (البارسي) الزرادشت وبعض اليهود وقليل من النصارى وكان الجميع يعيشون في جو ودي، وكان أحد اصدقائي من هؤلاء البارسي وكان أبوه مديرا لمكتب الصحة العامة وهو الدكتور هودي والا وله بيت جميل مطل على بحر صيرة، وكان يدعوني الى هذا البيت عدة مرات، كما كان لي صديق من جوا (الهند) وهي منطقة استعمرها البرتغاليون، وفرضوا على أهلها الكاثوليكية، وكان هو كاثوليكي ايضا. كما كان في الكلية اثنان من ابناء يهود عدن وكانوا زملاء لمحمد عاصم وابو بكر القربي وأحمد جرجرة، (وهم بعدي بسنتين) ، وكانوا هم آخر من بقي من اليهود في عدن في السنة الرابعة كان علينا أن نتقدم لإمتحان الشهادة الثانوية (الثقافة العامةالتي تنظمها جامعة لندن، وفي تلك الفترة كان والدي قد سافر إلى مصر وإستقر فيها، كما أن أخي أحمد قد سبق للدراسة في مصر وإستقر فيها كما أسلفنا، وكان عمي عبد القادر قد ذهب للعمل في السعودية، وكنت أنا مسؤول عن البيت والعمل ، وترك لي والدي أن أسحب من البنك ما أحتاجه من المصاريف، وفي هذه الفترة لم أهتم بالدراسة كثيرا رغم استمراري في قراءة الكتب المختلفة، ومع كثرة خروجي مع الزملاء بعد العودة من الكلية الى البحر وكنا نتناول العشاء في مطاعم عدن المختلفة، وكانت من أسعد الأيام في فترة الشباب، ومن حسن حظي أن جاء والدي قبل الإمتحانات بشهرين، وكانت سياسة والدي التشجيع وإبداء ثقته التامة بقدرتي على الحصول على أعلى الدرجات، فما كان مني إلا أن راسلت جامعة لندن وطلبت منهم إرسال كتب الأسئلة والأجوبة للمواد المطلوبة للدراسة، واختفيت عن اصدقائي لمدة شهر ونصف معتكفا في دراسة هذه الكتيبات، ودخلت الامتحان ونجحت فيه بثمان مواد فتم قبولي للدراسة في المستوى العالي في أثناء إنتظار ظهور النتائج إشتغلت في أحد البنوك برغم أني لم أكن واثقا بنجاحي، وأفادتني هذه التجربة حيث تعرفت على أنظمة البنوك إلى حد ما، وبدأت بالإهتمام بالإقتصاد، وبعد أن ظهرت النتائج ودخلت الصف الخامس مع المجموعة التي ستذهب الى دراسة الطب، دخلت إمتحان الثقافة العامة في الكيمياء التي لم أنجح فيها من أول مرة ومادة الإقتصاد ومادة الرسم، ونجحت في هذه المواد جميعا، وكنت أول من نجح في عدن في إحدى عشرة مادة (في المستوى العادي)، ولكن جاء من بعدي صديقي ابو بكر القربي ونجح أيضا في إحدى عشرة مادة لكن بترتيب أعلى . ثم جاء بعده عصام غانم ونال احد عشر موضوعا في المستوى العادي وقد قامت كلية عدن منذ إفتتاحها في يناير 1953 إلى ما بعد الاستقلال الذي تم في نوفمبر 1967 بتخريج إحدى عشرة دفعة من الطلبة بلغ عددهم أكثر من تسعمئة طالب الذين درس كثير منهم في الجامعات المختلفة وصار منهم أطباء ومحامون وإقتصاديون ووزراء ووكلاء وزارات وكان من زملائي مجموعة من أمثال عبد العزيز عبد الغني رحمه الله الذي تولى الوزارة في الجمهورية اليمنية عدة مرات، ومنهم صديقي العزيز الدكتور أبو بكر القربي الذي تولى وزارة التعليم العالي ثم وزارة الخارجية عدة مرات، ومنهم صديقي العزيز الأستاذ عبد الله عقبة الذي تولى وزارة الثقافة كما كان مستشارا لرئيس الجمهورية قحطان الشعبي، وتولى أخوه خالد عقبة منصبا هاما في الدولة (إدارة التعليم)، كما تولى صديقي العزيز الدكتور شهاب غانم منصب نائب وزير الأشغال، وتولى زميلي الأستاذ عادل محفوظ خليفة وزارة العدل في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وتولى الزميل عبد القوي رشاد الشعبي منصب الأمين الدائم لوزارة الخارجية، كما تولى قريبه وزميلي وصديقي حميد الشعبي منصب وزير الزراعة ووزير التعليم، وتولى زميلنا أنيس حسن يحيى منصب وزير في الجمهورية الديمقراطية الشعبية، وتولى صديقي محمد الخادم غالب منصب وزارية في اليمن الشمالي، وتولى محمد علي هيثم الذي لم يكن في دفعتنا منصب رئيس مجلس الوزراء، وتولى الدكتور عبد الله ناشر وزارة الصحة وقام بمجهودات كبيرة لتحسين الخدمات الصحية في الجمهورية الديمقراطية الشعبية ولم يكن من دفعتنا بل كان من الدفعات التي بعدنا وللأسف توقفت كلية عدن عن دورها في فترة ما بعد الإستقلال ثم تحولت إلى ثانوية للبنات ولم يعد لها ذلك الدور الهام في مجال التعليم كما كان متوقعا لها
أستاذي لطفي جعفر أمان درسني الاستاذ لطفي جعفر أمان في المرحلة الابتدائية (السنة الرابعة) ثم في المرحلة الاعدادية (ثلاث سنوات) ثم في كلية عدن الثانوية العالية (اربع سنوات) تقريبا اسرة آل أمان هي احدى الاسر المكية التي هاجرت الى عدن منذ فترة طويلة واستقرت فيها وصارت احدى الاسر العدنية المعروفة والمرموقة. ولد استاذ لطفي بمدينة كريتر (عدن) في حافة القاضي بتاريخ 12مايو 1928م . وهي نفس الحارة التي ولدت فيها، وبيتنا قريب من بيت الاستاذ لطفي. كما ان الفنان احمد بن أحمد قاسم ولد في نفس الحارة (حافة القاضي) !؟ درس الاستاذ لطفي المرحلتين الابتدائية والمتوسطة (الإعدادية) في عدن ثم أكمل دراسة المرحلة الثانوية في الخرطوم والتحق بجامعة الخرطوم ونال دبلوماً في التربية، ثم عاد الى عدن وصار استاذا في المدرسة الابتدائية للسنة الرابعة الابتدائي وذلك سنة (1951-1952م) وهي السنة التي كنت فيها في السنة الرابعة وقد أذهلني واذهل الطلاب برقته المتناهية وكان يحمل في جيبه من الحلويات والبسكويت ليعطي الطالب الذي يجيب اجابة صحيحة بعض هذه الحلويات، ولم يستخدم قط اي وسيلة عنف حتى العنف اللفظي او التوبيخ الشديد بل كان في منتهى الرقة مع الطلبة، وهو أمر لم نتعود عليه من اساتذتنا السابقين الذين كانوا يستخدمون العنف اللفظي والضرب بالمسطرة أحيانا أخرى وقد تمييز لطفي بتشجيع الطلبة الى درجة انه كان ينشر مواضيع الانشاء التي يطلبها من الطلبة في احدى الصحف المحلية تشجيعا لهم، واذكر انه قد طلب من الفصل كتابة موضوع انشاء عن الشخصية التي تعتبرها مثلك الاعلى، فكتبت ان المثل الاعلى لكل مسلم هو الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن شخصية الرسول في الافق الاعلى ومن الصعوبة احتذاءها. وقد اخترت شخصية والدي كمثل أعلى لي، فسر الاستاذ لطفي بذلك وتشجيعا لي نشر هذا الموضوع في الصحيفة المحلية وكان الاستاذ لطفي يستخدم قدراته اللغوية والرسم في توضيح ما يريد ايصاله الى الطلبة ومما أذكره جيدا تصويره بالتمثيل والنبرات قصة اصحاب الجنة التي وردت في القرآن الكريم في سورة القلم { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ(28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ(30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَىٰ رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33) } وقص علينا الاستاذ لطفي ونحن مبهورون، قصة هؤلاء النفر الذين ورثوا الجنة من ابيهم والذي كان يخرج نصيب الفقراء والمساكين عندما يجمع الثمار، فلما مات الاب اجتمع الابناء وقرروا سرا أن يحرموا الفقراء والمساكين من نصيبهم، وذهبوا يتخافتون، فلما رأوها صدموا ووجدوها محروقة سوداء فظنوا انهم أخطأوا الطريق، ولكنهم تأكدوا انها هي جنته التي ارسل الله عليها ليلا ما جعلها محروقة كالصريم فبدأوا يتلاومون يلوم كل واحد الاخر واعترفوا بخطأهم وعرفوا فضل أبيهم، ودعوا الله ان يبدلهم خيرا منها بعد ان تابوا وقرروا ان لا يحرموا الفقراء من نصيبهم وقد استطاع الاستاذ لطفي ان يفهمنا نحن الصغار هذه القصة الرائعة، وان يصور لنا بصوته وحركاته كيف كانوا يدبرون وكيف كانوا يتخافتون ويهمسون، ويقررون حرمان الفقراء والمساكين من نصيبهم . وان الله عاقبهم بحرمانهم من الجنة كلها. واستطاع الاستاذ لطفي ان يفهمنا شيئين، الاول : البعد عن الانانية وعدم حرمان الفقراء من نصيبهم في الثروة الموجودة، وثانيا : هذا التصوير الفني الجميل الرائع في القرآن الكريم واذكر في مرحلة لاحقة وهو يدرسنا البلاغة (المرحلة الثانوية) قصة الخضر مع سيدنا موسى في قوله تعالى { فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا } [الكهف : 77] فشرح لنا الاستاذ لطفي كيف جعل القرآن الكريم لهذا الجدار المتهالك ارادة حتى انه اراد ان ينقض فأقامه الخضر واعاده الى وضعه الطبيعي لانه يحتوي على كنز الغلامين اليتيمين في اهل قرية ظلمة يأكلون مال الايتام وقد جعلني الاستاذ لطفي محبا للشاعر علي محمود طه واشتري دواوينه منذ المرحلة المتوسطة كما جعلني أحب الرسم وشجعني على ذلك ودرسني استاذ لطفي في المرحلة المتوسطة اللغة العربية واللغة الانجليزية التي كان أيضا يتقنها اتقانا تاما وفي الثانوية. في كلية عدن درسني أيضا الادب الانجليزي والتاريخ، ومن ذلك تاريخ الامبراطورية البريطانية قبل ان يتسلمها منه الاستاذ كليفورد الذي أتى من ويلز ببريطانيا. وكنت قد اقترحت على الاستاذ لطفي تدريسنا الثورة الفرنسية لانني كنت قد قرأت كتابا كاملا عنها فأعجبت بها، وبالفعل قام الاستاذ لطفي بالاتصال بالادارة التي وافقت بعد شهر بتدريس الثورة الفرنسية وهذا يدل على حكمة الاستاذ لطفي واستطاعته ان يقنع ادارة المدرسة وادارة التعليم بالسماح بتدريس الثورة الفرنسية وهذا يدل ايضا على سعة أفق ادارة المدرسة والادارة التعليمية في ذلك الوقت والتي كانت بيد الانجليز وقد وجدت قصيدة رائعة للاستاذ لطفي عن هجرة السيدة زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة والتي تعرضت فيها الى اعتداء من احد المجرمين فقال لطفي قصيدته بعنوان " مصرع زينب بنت الرسول الأعظم"!؟ الليل ملتحفٌ بجبته المهيبة بالسواد أحداقه العمياء تدفن في مغاورها الوهاد فالبيد غرقى دلجة قد كفنتها بالحداد أبنيتي.. يرعاك ربي هذا نداء الشوق ملحاحا يناديك قلبي ستضاء يثرب كلها إذ ألقاك جنبي وتتوه في نظراتها الصحراء والظلم الرهيبه شيء يجلجل في حناياها ويعصف كالرياح شيء تحس لهوله ولجنبها وقع الرماح هي لحظة وكأنما الصحراء إعصار ونار الركب منفرط.. وضوضاء.. ومعركة تدار هي لحظة والموت يضرب باليمين واليسار مرقت غواية الحقد بهبة الجاني "هبار" يا رب! من؟ وانهدّ هودجها كما انهد النهار وأريق أطهر ما يراق من الدماء على القفار وينكفئ النبي على مدامعه الغزار وتنوء بالحزن الثقيل مطية الليل البهيم ويطل يوم لا جديد فيه تبلله الدموع وكأنما انتفض النهار لما أطل ملثما وكأنه شبح أغار حسر اللثام مروعا فإذا به الجاني هبار أمحمد هذه قناتي أحسم بظباتها حياتي أو فاعف عني يا رسول الله للإثم الجسيم فاهتز روح القدس في أعطاف أكرم من كريم وَسَخَا النبي بعفوه في لحظة الضعف العظيم هذه القصيدة الرائعة وتنبئ عن محبة لطفي للرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته، واطلاعه على السيرة النبوية بصورة مذهلة وقد كانت زينب رضي الله عنها قد تزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع وكان محبا لها ومكرما لها رغم انه بقي على دينه ولم يسلم وبعد هجرة النبي محمد إلى المدينة المنورة، خرج أبو العاص مع قريش في معركة بدر (السنة الثانية من الهجرة)، وبقيت زوجته زينب في مكة، ووقع أبو العاص أسيرًا بأيدي المسلمين، ولما أرسل أهل مكة الأموال في فداء أسراهم، أرسلت زينب في فداءه بقلادة كانت لها من أمّها خديجة بنت خويلد، فتأثر النبي محمد لذلك، وقال لأصحابه الذين أسروه: «إن رأيتم أن تُطلقوا لها أسيرها وتردُّوا عليها مالها فافعالوا»، فأطلقوا سراحه وردّوا مالها. وقد كان النبي محمد قد اشترط على أبي العاص أن يخلّي سبيلها ويأذن لها بالهجرة إلى المدينة المنورة، فوفّى بذلك وقد انجبت السيدة زينب رضي الله عنها لابي العاص ولدا اسمه علي، توافاه الله صغيرا، وبنتا اسمها أمامة وهي التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحملها على عاتقه في صلاته . ثم لما كبرت أمامة تزوجها الامام علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة عليها السلام، ثم تزوجت بعد وفاته رجل أخر وارسلها زوجها الى المدينة المنورة وفي الطريق خرج عليها هبار بن الأسود وآخر اسمه نَافِع بن عبد قيس، فأخافها هبّار برمح له وهي في الهودج، وتذكر الروايات أنّها كانت حاملاً، فلمّا خافت أسقطت حملها وقد أرسل النبي محمد لاحقا سرية لقتل هبّار ونافع. وذكر ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري (ج8 /11 طبعة دار المعرفة – بيروت 1379): "وأما هبار فكان شديد الاذى للمسلمين وعرض لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجرت فنخس بعيرها فاسقطت ولم يزل ذلك المرض بها حتى ماتت فلما كان يوم الفتح بعد ان اهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه اعلن اسلامه فقبل منه فعفا عنه" !؟ واسلم زوجها أبو العاص بعد ذلك وأقام في المدينة وبقيت معه في المدينة الى السنة الثامنة للهجرة الى ان توفيت متأثرة كما يقال بحادثة الاسقاط وقد تأثر لطفي جعفر امان بتيار الشعر الرومانسي في الأدب العربي عموماً ومن خلال اطلاعه على أعمال ممثلي ذلك التيار أمثال علي محمود طه وإبراهيم ناجي والتيجاني يوسف بشير وشعراء المهجر وغيرهم تشبع بالقيم الجمالية والفنية للرومانسية واخذ يتمثلها في شعره وبالذات في أعماله الشعرية الأولى (في ديوانه بقايا نغم). وقد شكل لطفي خلال فترة الخمسينيات والستينيات مع الفنان الراحل احمد بن احمد قاسم ثنائيأ فنياً كان له دوره وتأثيره في نهضة الأغنية العدنية على وجه الخصوص والأغنية اليمنية بصورة عامة. وغنّى له معظم الفنانين في عدن واليمن وكان للطفي دواوين شعرية كثيرة هي: بقايا نغم /1948م الدرب الأخضر /1962م كانت لنا أيام /1962م ليل الى متى /1964م اليكم يااخوتي /1969م الى الفدائيين في فلسطين /1969م موكب الثورة (ملحمة شعرية ) /1969م وله مجموعتان من الاغاني العدنية هما : ليالي واعيش لك وقد طبعت أعماله الكاملة في جزءين عام 1997 م ومن أشهر قصائده: قصيدة يا بلادي يابلادي اقفزي من قمة الطود لأعلى الشهب وادفعي في موكب النور مطايا السحب وستقلي كوكبا يزهو بأسنى موكب فلقد مزقت عن نفسي كثيف الحجب ولقد حطمت أصنام الدجى المنتحب وهوى البرج على أوهامه والكذب وانبرت بي في المدى أجنحة من لهب تزرع الأضواء في جفن الليالي المتعب وتنيل الجدب من شؤبوبها المنسكب ***** يا بلادي لم اعد أسطورة في الكتب لم اعد من ألف (ليلة) ليلة من عجب لم اعد أنقاض مجد في ضمير الحقب لم اعد ادفن دمعي في رغام الغيهب لم اعد طيف خيال بالرؤى مختضب أو أنينا راعف الجرح بصدر مجدب أو نشيدا مخجلا يضحك منه الأجنبي أشرق المسعى فللنور شذى من مطلبي والسنا يغمر أفقي وطريقي الذهبي ***** يا بلادي .. يا نداء هادرا يعصف بي يا بلادي .. يا ثرى جدي وابني وأبي يا رحيبا من وجودي .. لوجود أرحب يا كنوزا لا تساويها كنوز الذهب اقفزي من ذروة الطود لأعلى الشهب اقفزي .. فالمجد بسام السنا عن كثب اقفزي .. فالمجد ما دان لمن لم يثب **** يا بلادي كلما أبصرت (شمسان) الأبي شاهقا في كبرياء حرة لم تغلبي صحت يا للمجد في أسمى معالي الرتب يا لصنعاء انتفاضات صدى في يثرب يا لبغداد التي تهفو لنجوى حلب يا لأوراس لظى في ليبيا والمغرب يا لأرض القدس يحمي قدسها ألف نبي يا لنهر النيل يروي كل قلب عربي فأملاي كأسك من فيض دمائي واشربي يا بلادي .. يا بلادي يا بلاد العرب
بالاضافة الى شعر لطفي الرومنسي والعاطفي فإن له اسهاما كبيرا في مكافحة الاستعمار والاشادة في الثورة ضد الانجليز وله ديوان كامل في تأييد الثورة والكفاح بعنوان "موكب الثورة (وهوملحمة شعرية) "، كما أن له ديوانا كاملا في تأييد الكفاح الفلسطيني ضد الصهاينة بعنوان الى الفدائيين في فلسطين وأشاد بالثورة التي أطاحت بالحكم الاستعماري وله قصائد كثيرة عندما انتصرت الثورة على الاستعمار وانسحب الانجليز من عدن ومنها القصيدة التالية بلادي حرة تجلى الصباح لأول مرة وطار الفضاء طليقاً رحيباً بأجنحة النور ينساب ثرة وقبلت الشمس سمر الجباه وقد عقدوا النصر من بعد ثورة وغنى لنا مهرجان الزمان بأعياد وحدتنا المستقرة واقبل يزهو ربيع الخلود وموكب ثورتنا الضخم أثره تزين أكليله ألف زهرة وينشر من دمنا الحر عطره ويرسم فوق اللواء الخفوق حروفاً تضيء لأول مرة بلادي حرة
وله قصيدة اخرى بعنوان "المهرجان الأكبر" القاها بنفسه بصوته الرخيم والقائه الجميل وهي مسجلة على الرابط التالي https://www.youtube.com/watch?v=KDHrFADLcWQ
ورغم انتشار القصائد الوطنية للاستاذ لطفي الا ان الجبهة القومية اتهمت لطفي في احدى المراحل بالتجسس عليها وتم اعتقاله بالفعل وذلك قبل الاستقلال، ولكن بفضل الله عرف أحد تلاميذ الاستاذ لطفي، وهو عبد الملك اسماعيل الذي كان أحد الأعضاء القيادين في الجبهة القومية فاعترض على ذلك وذهب الى السجن واخرج لطفي من السجن بعد ان مكث فيه شهرا كاملا . وقد تبين لهم ان تلك التهمة كانت باطلة وقد ذهبت انا واخي الدكتور احمد علي البار لزيارة استاذنا لطفي في الشقة التي كنا فيها قبل ان يسكنها لطفي وهي على ساحل صيرة لم يفتح لنا الا بعد تردد والنظر في العين السحرية ولما فتح وجدنا لطفي حاملا مسدسا كبيرا (revolver) (فصحنا ما هذا يا استاذ ؟ فرد علينا : مش شايفين كل واحد ماشي بالبندقية والمدفع وانا خايف ان يهجم علي واحد من هؤلاء الاوغاد) وهذا كان قبل الاستقلال بفترة وجيزة عندما احتدم الصراع بين الجبهة القومية وجبهة التحرير الوطنية ويقول د . احمد علي الهمداني عن شعرلطفي السياسي والوطني :" الشاعر لطفي أمان المثقف ثقافة عالية لم يكن يتحرك مع هذه الأحداث تحركاً أعمى وإنما كان يعيش هذه الأحداث التي رآها قد غيرت في حاصل الوعي الوطني والاجتماعي في مجتمعه. ويقيني أن القناعة الصادقة هي التي جعلت هذا الشاعر يتفهم عن دراية ومعرفة أوضاع الحياة والناس في بلاده فأرسل قيثارته الشجية تردد أغاني الوطن وأناشيد الحب للإنسان والأرض. فالشاعر الكبير لا تحركه الأحداث وإنما هو يتحرك في داخل هذه الأحداث ويهبها من حرارة موهبته
الحياة التي تعبر عن صدق الوطن وعمق الوطنية"!؟ ومنها قصيدة يا مزهري الحزين يا مزهري الحزين؟ من يرعش الحنين؟ إلى ملاعب الصبا .. و حبنا الدفين؟ هناك .. حيث رفرفت عــلى جــناح لهونــــا أعذب ساعات السنين
يا مزهري الحزين يامزهري الحزين الذكريات .. الذكريات تعـيدني في مركب الاحلام للحــياة لنشوة الضياء في مواسم الزهــور يستل من شفاهها الرحيق والعطور وبعد هذا كله في صحوة الحقيقه ينتفض الواقع في دقيقه يهزني يشـد أوتـــادي الى آبــاري العميقــة يشدهـا .. يجذب منها ثورتي العريقـة ويغرق الأوهام من مشاعري الرقيقة ويخلق الإنسان مني وثبة وقدرة عواصفا وثورة هنا .. هنا إذ زمجـرت رياحـنا الحمـــراء تقتلع القصور من منابت الثراء وتزرع الضياء وتغدق الغذاء .. والكساء والدواء عــلى الذين آمــنوا بأنهم أحــياء وخيرة الأحياء في الحقل في المصنع وفي كل بناء يا مزهري الحزين يا مزهري الحزين يا مزهري الضعيف ما عاد شعبي ينسج الأوهام في لحن سخيف عــن قيــــس ليلـى ... رومـيو جولـيت أسماء كثيرة دبت .. دبيب النحل في أسفارنا المثـــــــيرة دبت بنا بحملة الأفيون في سفن خطـــــيرة كي توهم الدنيا بأنا أمة الوهم الحقيرة لكننـــــــــا .. يــا مـزهـري المحـــــزون يـا ضعيف نبــني .. نحيلك انت من وترٍ حريريٍّ رهيف مستضعف باك الى وثب .. الى ضرب عنيف كـي يشهد المستعمرون بانــــنا حقا نخـــيف لا لا لن نخاف أو أن نموت مع الضعاف اسمع إذا مني ووقع لحن قصتي الجديد وابعث به في مركب الشمس العتيده للخلود اسمع.. أنا من قبل قرن أو يزيد قرن وربع القرن بل اكثر من عمري المديد كانت بلادي هذه ملكي انا ملكي انا خــــيراتها مـني ومن خــيراتها أحــيا أنــا كانت وما زالت وهذي قصتي فانصت لنا في ليلة مسعورة موتورة الظلماء أوفت الى شواطئي مراكب الاعداء يقودها القبطان هنس انجليزي حقير يقرصن البحر الشهي وجيفة من الضمير هذا الحقير أرسى هنا ومد عينيه الينا في اشتهاء ونسج المزاعم النكراء في دهاء مدعيا ان جدودي هاجموا سفائنه ونهبوا خزائنه وأننا بكلمة غريبة قراصنه تصوروا.. نحن إذا قراصنه وهكذا انداح له الغزو الى اقصى الحدود ودنس البلاد بالجنود والنقود وبذر القلاقل وفرق القبائل ولملم الدجى على أطرافه يصول يمد من أطماعه مخالب المغول لكننا على المدى منذ احتلال ارضنا كنا يدا يدا تصافح الرفيق في الكفاح لا العدا وقطعة الرغيف والمبدأ الشريف زادان كانا كافيين للبقاء فنحن شعب لا ينال الضيم منا ما يشاء هاماتنا فيها من الشمس بريق الكبريـاء لا نعرف الدموع إلا وأن نحيلها دمـاء تعلو على ضفافها بواسـق الإبـــــــاء وكلما مــرت بنا أعوامـــنا الطويلـــــة نغرس من ثورتنا بذورنا الاصــــــيلة في كـل جــــيل صـاعد يؤمـن بالضــياء بالأرض بالمعـول بالســـــلاح بالبنــــاء ومـن هنـا تصلبـت عقـــيدة الســـــــلاح ونحن منذ خلقنا نعرف ما معنى السـلاح نعرفـه ونرضع الاطفال منـه للكفـــــــاح ونصـنع الرصاص مـن مــرارة الألـــــم وننتشي نرتقــب الفجر الجديـد في شمــم حـتى بيوتنا التي طلاؤها الغبار حيث عم ترمي على سيمائنا ظلالها وتبتسم وانتفض الزمان دقت السويعة الأخيرة فاندفعت جموعنا غفيرة غفــــيرة تهز معجزاتها في روعة المسيرة وجلجـلت ثورتـنا تهـيب بالابطال الزحف يا رجال الزحف والنضال فكلنا حريه تحن للقتال وهـكـذا تفجـر البركـــان في ردفان ورددت هديره الجبال في شمســـــــان وانطلقـت ثورتنــا مــاردة النــــــيران تضئ من شرارها حرية الاوطــــــان وتقصف العروش في معاقل الطغيان وتدفع الجياع في مسيرة الانســــــان يشدهم للشمس نصر يبهر الزمــــان وهكذا تبــددا عهد من الطغيان لن يجددا وحلقــت عـــلى المـــــدى ثورتـــنا تهتف فينا أبــــدا يا عيدنا المخلدا غرد فان الكون من حولي طليقا غردا غرد على الأفنان في ملاعب الجنان الشعب لن يستعبدا الشعب لن يستعبدا قد نال حريته بالدم والنيران وقتل القرصان
وعاش لطفي حياة حافلة مليئة بالاحداث متأثرا ومؤثرا فيها رغم قصر حياته، ووفاته في سن النضوج (43 سنة). وقد شغل لطفي بعد تخرجه من الجامعة وعمله بالتدريس عدة وظائف في مجال التربية والتعليم، فقد عمل محاضراً في مركز تدريب المعلمين ومفتشاً في المدارس، فضابطاً للمعارف ومسؤولاً عن المطبوعات والنشر، فمديراً للتربية والتعليم ثم وكيلاً لوزارة التربية والتعليم حتى وفاته. والى جانب عمله في التربية والتعليم فقد عمل كمذيع في إذاعة عدن عند تأسيسها وفي الفترة الأخيرة من حياته عانى لطفي من المرض فنقل الى القاهرة للعلاج غير انه توفي في 16ديسمبر 1971 في مستشفى القوات المسلحة بالمعادي في القاهرة. رحمه الله رحمة الابرار
ررودود الفعل الايجابي
اخي الحبيب محمد حفظه الله
ما ادق ذكرياتك ولها نكهة خاصة بالنمؤ والعيش والدراسة واللعب والطفولة الجميلة في محيط عدن لقد اعدت لي ذكريات طفوله وسن مراهقة كانت بدأت تندثر من الذاكرة. فمن ذكرياتك اكدت ان السيد عبدالله (احمد محمد} خدشي استأجر الدور الارضي لمنزلكم. وهنا تذكرت انا جيداً تلك الغرفة. فقد كنت ازور خالي عبدلله خدشي مرة في الاسبوع لاحضر ندواته الفنية (قات وغناء ولعب على العود) هناك وانذاك في تلك الغرفة كنت التقي بالفنان عمر محفوظ غابه واخرين واصدقاء خالي اخو امي امنه احمد محمد الخدشي كما وكنت ازور والدتهم جدتي القابلة مريم عبيد رحمهم الله جميعاً شكراً جزيلاً اخي محمد ارسالك لي هذه الذكريات الجميلة وتسلم اخوك عادل عولقي
الشيخ العلامة د. محمد علي البار حفظه الله تابعت باهتمام بالغ ذكرياتك والخواطر التي كتبتها عن كلية عدن. ومما رعى إنتباهي أن حصة الدين كانت تدرس لنامرة في الاسبوع. وكنا في الصف الاول وكنت مع بقية الاصدقاء وزملاء الدراسة في الصف الثالث في الكلية. وأما عن شطط مدير الكلية المستر بورتششيس الذي كان حازماً في إدارة الكلية فقد أمر بضربنا امام أعين أبائنا في الكلية بالخيزران في الموخرة وكان معنا أحمد جرجرة رحمة الله عليه، أبوبكر عبدالله القربي و محمد عاصم و لا أتدكر البقية والسبب أننا قمنا بالاشتراك في مظاهرة جماهيرية خلال الهجوم الشرس على مصر عام 56 أشرف جرجره
|